responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 241
وَقَوْلُهُ: هُمْ يُوقِنُونَ جِيءَ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ لِإِفَادَةِ تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ إِذْ هُوَ إِيقَانٌ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ مِنْ قَبْلِ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِجْمَالِ، وَإِنْ كَانَتِ التَّوْرَاةُ خَالِيَةً عَنْ تَفْصِيلِهِ وَالْإِنْجِيلُ أَشَارَ إِلَى حَيَاةِ الرُّوحِ، وَتَعَرَّضَ كِتَابَا حِزْقِيَالَ وَأَشْعِيَاءَ لِذِكْرِهِ وَفِي كِلَا التَّقْدِيمَيْنِ تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ الدَّهْرِيِّينَ وَنِدَاءٌ عَلَى انْحِطَاطِ عَقِيدَتِهِمْ، وَأَمَّا الْمُتَّبِعُونَ لِلْحَنِيفِيَّةِ فِي ظَنِّهِمْ مِثْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِمْ لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ أَوْ لِأَنَّهُمْ مُلْحَقُونَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لِأَخْذِهِمْ عَنْهُمْ كَثِيرًا مِنْ شَرَائِعِهِمْ بِعِلَّةِ أَنَّهَا مِنْ شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام.
[5]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ.
اسْمُ الْإِشَارَةِ مُتَوَجّه إِلَى لِلْمُتَّقِينَ [الْبَقَرَة: 2] الَّذِينَ أُجْرِيَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصِّفَاتِ مَا تَقَدَّمَ، فَكَانُوا فَرِيقَيْنِ. وَأَصْلُ الْإِشَارَةِ أَنْ تَعُودَ إِلَى ذَاتٍ مُشَاهَدَةٍ مُعَيَّنَةٍ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ يَخْرُجُونَ بِهَا عَنِ الْأَصْلِ فَتَعُودُ إِلَى ذَاتٍ مُسْتَحْضَرَةٍ مِنَ الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ يُذْكَرَ مِنْ صِفَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا مَا يُنْزِلُهَا مَنْزِلَةَ الْحَاضِرِ فِي ذِهْنِ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ، فَإِنَّ السَّامِعَ إِذَا وَعَى تِلْكَ الصِّفَاتِ وَكَانَتْ مُهِمَّةً أَوْ غَرِيبَةً فِي خَيْرٍ أَوْ ضِدِّهِ صَارَ الْمَوْصُوفُ بِهَا كَالْمَشَاهِدِ، فَالْمُتَكَلِّمُ يَبْنِي عَلَى ذَلِكَ فَيُشِيرُ إِلَيْهِ كَالْحَاضِرِ الْمُشَاهَدِ، فَيُؤْتَى بِتِلْكَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا أَوْضَحَ فِي تَشَخُّصِهِ، وَلَا أَغْنَى فِي مُشَاهَدَتِهِ مِنْ تَعَرُّفِ تِلْكَ الصِّفَاتِ، فَتَكْفِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا، هَذَا أَصْلُ الِاسْتِعْمَالِ فِي إِيرَادِ الْإِشَارَةِ بَعْدَ ذِكْرِ صِفَاتٍ مَعَ عَدَمِ حُضُورِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ يُتْبِعُونَ اسْمَ الْإِشَارَةِ الْوَارِدَ بَعْدَ تِلْكَ الْأَوْصَافِ بِأَحْكَامٍ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْشَأَ تِلْكَ الْأَحْكَامِ هُوَ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ، لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ هِيَ طَرِيقَ الِاسْتِحْضَارِ كَانَتِ الْإِشَارَةُ لِأَهْلِ تِلْكَ الصِّفَاتِ قَائِمَةً مَقَامَ الذَّوَاتِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا، فَكَمَا أَنَّ الْأَحْكَامَ الْوَارِدَةَ بَعْدَ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ تُفِيدُ أَنَّهَا ثَابِتَةً لِلْمُسَمَّيَاتِ فَكَذَلِكَ الْأَحْكَامُ الْوَارِدَةُ بَعْدَ مَا هُوَ لِلصِّفَاتِ تُفِيدُ أَنَّهَا ثَبَتَتْ لِلصِّفَاتِ، فَكَقَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ إِنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافَ هِيَ سَبَبُ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ هَدْيِ رَبِّهِمْ إِيَّاهُمْ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ:
وَلِلَّهِ صُعْلُوكٌ يُسَاوِرُ هَمَّهُ ... وَيَمْضِي عَلَى الْأَحْدَاثِ وَالدَّهْرِ مُقْدِمَا

فَتَى طَلَبَاتٍ لَا يَرَى الْخَمْصُ تُرْحَةً ... وَلَا شُبْعَةً إِنْ نَالَهَا عَدَّ مَغْنَمَا

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 241
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست